الجد في الجد للشاعر
(صلاح الدين الصفدي)
الجَدُّ في الجدِّ والحِرمانُ في الكَسَلِ=فانصبْ تُصِبْ عنْ قريبٍ غايةَ الأملِ
واصبرْ على كلِّ ما يأتي الزَّمانُ بهِ=صبرَ الحُسامِ بكفِّ الدّراعِ البَطَلِ
وجانبِ الحرصَ والأطماعَ تحظَ بما=ترجو من العزِّ والتأييدِ في عَجَلِ
ولا تكونَنْ على ما فاتَ ذا حَزَنٍ=ولا تظلَّ بما أُوتيتَ ذا جَذَلِ
واستشعرِ الحِلمَ في كلِّ الأمورِ ولا=تُسرع ببادرةٍ يوماً إلى رجلِ
وإنْ بُليتَ بشخصٍ لا خَلاقَ لهُ=فكُنْ كأنَّكَ لمْ تسمعْ ولمْ يَقُلِ
ولا تُمارِ سفيهاً في مُحاورَةٍ=ولا حليماً لكيْ تنجو منَ الزَّلَلِ
ولا يغرَّنكَ منْ يُبدي بشاشَتَهُ=إليكَ خِدعاً فإنَّ السُّمَ في العَسَلِ
وإنْ أردتَ نَجاحاً أو بلوغَ مُنىً=فاكتُمْ أمورَكَ عن حافٍ ومُنتعلِ
إنَّ الفتى من بماضي الحَزْمِ مُتَّصفٌ=وما تعوّدَ نقصَ القولِ والعملِ
ولا يقيمُ بأرضٍ طابَ مسكنُها=حتى يقدَّ أديمَ السَّهلِ والجَبَلِ
ولا يضيعُ ساعاتِ الزَّمانِ فلنْ=يعودَ ما فاتَ من أيامهِ الأولِ
ولا يُراقِبُ إلا مَنْ يُراقِبُهُ=ولا يُصاحبُ إلا كلَّ ذي نُبُلِ
ولا يعدُّ عُيوباً في الوَرَى أبداً=بل يعتني بالذي فيهِ من الخَلَلِ
ولا يظُنُّ بهمْ سُوءاً ولا حَسَناً=بل التجاربُ تَهديهِ على مَهَلِ
ولا يُؤَمِّلُ آمالاً بصبحِ غدٍ=إلا على وَجَلٍ من وثبةِ الأجلِ
ولا يَصدُّ عن التقوى بصيرتَهُ=لأنها للمعالي أوضحُ السُّبُلِ
فمنْ تكنْ حُللُ التقوى ملابسَهُ=لمْ يخشَ في دهرهِ يوماً من العَطَلِ
مَنْ لمْ يصنْ عِرضَهُ مما يُدَنِّسهُ=عارٍ وإن كانَ مغموراً منَ الحُلَلِ
مَنْ لم تُفدهُ صُروفُ الدهر تجربةً=فيما يحاولُ فليرعى مع الهَمَلِ
مَنْ سالَمتهُ الليالي فليثِقْ عَجِلاً=منها بحَرْبِ عدوٍّ جاءَ بالحِيَلِ
منْ ضيَّعَ الحَزْمَ لم يظفرْ بحاجتِهِ=ومنْ رمى بسهامِ العُجْبِ لمْ ينَلِ
منْ جادَ سادَ وأحيا العالمونَ لهُ=بديعَ حمدٍ بمدحِ الفِعلِ مُتَّصِلِ
منْ رامَ نيلَ العُلى بالمالِ يجمعُهُ=من غيرِ جُودٍ بُلي منْ جهلهِ وَبُلي
منْ لمْ يصُنْ نفسَهُ ساءَتْ خليقتُهُ=بكلِّ طَبْعٍ لئيم غيرِ مُنتَقلِ
منْ جالسَ الغاغَة النُّوكَى جَنَى نَدَماً=لنفسهِ ورُمي بالحادثِ الجَلَلِ